بعكس أرقام الأوراق النقدية التي كلّما ازدادت، كُلّما دلّت على غنى مالِكها وثرائه، فإنّ الأرقام الموزّعة على لوحات السيارات الفارهة، كلّما نَقُصَت، كلّما تضاعف ثمنها وتضاعفت قيمتها، وكُلَّما دلّت على غِنى مالكها ورِفعة مقامه ورفاهه وعُلُوِّ مَنزلَته الإجتماعية. وعلى ما يبدو فإن ثمّة قانون في الدولة اللبنانية يُتيح لرجال الدّين كما يَدعوهم، وهُو في ذلِك على صواب، إذ أنَّ رجال الدّين ليسوا بالضرورة رجال الله، يُتيح لهم امتلاك لوحات سيارات ذات أرقام فارهة، ولِما لا! أوليسَ لرجال الدِّين الحَقّ في علاماتٍ فارِقَة، غير المحبّة طبعاً التي ترتاح مابين جُدرانِ دور العبادة، تُرَفِّعُهم عن البقيّة وتُمَيّزُهم عن الرعية؟! أوليسَ لهم الحقّ في أرقامٍ مُتناسِقة وجميلة تتبارك بحرف "الرّاء" أي بالروحيّ، وتُشيرُ إلى هويتهم "المقدّسة"، ليُعرَفوا من الرعية، أُسوةً بِغَيرِهم ممَّن يملِكون أرقاماً "دنيوية"؟!.
ولِمن يرغبُ من رجالِ الدين بلوحَةِ "روحيّ"، فما عليه سوى الإتصال بالرئيس الدينيّ المكانيّ؛ فالرؤساء عادَةً في الخدمة، حاضرون دائماً لجوائز ترضيةٍ ولا سيّما لتابعيهم وأزلامهم ممّن امتهنوا صَنعة المُداهنة، وللحاشية وحاشية الحاشية، من الأقرباء والمُقرَّبين، الذين يَستعلون بها ويستكبرون على حِساب "الرّوحيّ" البعيد كلّ البُعد عن سياسات الفساد والتكبّر والإستعلاء. وهكذا يعُمّ الخير جميع المُقرَّبين من الرأس الدينيّ، بحجّة أنَّ أقربهم من الرأس أشرفهم، وأشرفهم أرفعهم، وأرفعهم أقدرهم، وأقدرهم أكثرهم استفادة.
للأسف، هذه هي حال حُفنَةٍ لا بأسَ بِها من رجال الدين في بلادي، الذين يتهافتون ويتملَّقون ويُداهنون للحصول على امتيازاتٍ من رؤسائهم الدينيين والمدنيين، تتعارضُ مع حالتهم وتتناقضُ مع رسالة الروح التي تُنهيهم عن أن يُشاكِلوا أبناء هذا الدهر ويتشبّهوا بهم في طُرُقِهم وفي سعيِهم الدنيويّ إلى الدنيويّ، وتحثُّهم على أن يسيروا بشكلٍ روحانيٍّ سماويّ، في التواضع والمحبّة والطاعة للحقّ، مُتخلّين عن كُلّ امتيازاتٍ لا تُشبههم، ومتغلّبين بسلوكهم هذا على روح العالم. وأعتقد بأنه ليس في التخلّي مَهانة، بل المهانةُ كُلّ المهانة، تكمن في أن يسعى رجال الرّوح إلى ما يسعى إليه أبناء هذا الدهر، فيُشاكلُ الجميع الجميع ويُسقِطُ الجميع الجميع.
ما حاجة الروحيين إلى لوحاتِ سيّاراتٍ ذاتِ أرقامٍ فارهة؟ لست أدري! وما هو الرّوحيّ في هذه الأرقام الدنيوية؟ لست أدري أيضاً! ولِما هذا السّعيُ النَهم للحصول عليها؟ لستُ أعلم! ولكنني أعلمُ شيئاً واحداً وهو أنَّ سَعيَ الروحيين إلى لوحاتٍ وأرقامٍ تُدعى خطأً "روحية"، تُفسِدُ للروح قضيّة وتُوَسِّع الهوّة بينهم وبين الرعية.